اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
محاضرة عن القرآن والسنة
6320 مشاهدة
تدبر القرآن الكريم


كانوا بعد ذلك يحرصون على تدبره وتعقله وتعلم ما فيه؛ لأن الله أمرهم بأن يتدبروه ويتعقلوه ويتعلموا ما فيه يقول الله -تعالى- لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ يتدبروه أي يتعقلوه وكذلك قال- تعالى- أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا أي لماذا لا يتدبرونه ويتفهمونه؟!! ويقول الله -تعالى- في المعرضين عنه: فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا أي بسبب أنهم معرضون عنه منشغلون عنه.
وكذلك قال -تعالى- أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ أي لماذا لم يتدبروا هذا القول الذي أنزل عليهم؟!
من آثار ذلك كانوا يهتمون بتعلم معانيه فيقول عبد الله بن حبيب السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئونني القرآن أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا، مع أن القرآن أنزل بلغتهم وهم يعرفون ما تحتوي عليه تلك الكلمات؛ لأنها كلامهم الذي كانوا يتكلمون به بطلاقة دون أن يحتاجوا إلى تعلم مفردات الكلمات، ولكن مع ذلك يتعلمون ما يخفى عليهم وكذلك يتعلمون كيفية التطبيق وكيفية العمل به، فهذه حالة الصحابة وكذلك حالة من بعدهم.
ولقد اهتم الصحابة وتلامذتهم بتعلم القرآن وبتعليمه وبتفسيره وببيان معانيه؛ والدليل على ذلك كثرة ما نقل عنهم من الآثار التي فسروا بها القرآن، وبينوا معنى كل كلمة ومعنى كل جملة، لا شك أن هذا دليل على أنهم أولوه عناية واهتماما، كذلك أيضا من بعدهم إلى يومنا هذا قد اهتم العلماء بالقرآن وفسروه ووضحوا ما فيه، وبينوا لمن بعدهم كيف يتعلم وكيف يعمل وماذا يستنبط من النصوص وماذا تحتوي عليه تلك القصص وما أشبهها، وكذلك أيضا ما فيه من العبر وما فيه من الأمثال.
معروف أن القرآن يحتوي على قصص من قصص الأنبياء، لماذا قصها الله؟ أولا: تسلية النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يسمع من قومه شيئا من الرد عليه أو التكذيب أو الاعتراض على رسالته، فإذا تليت عليه أخبار الأنبياء قبله وما حصل لهم تسلى وصبر وصابر وبادر بالمبادرة في إبلاغ قومه وفي تعليمهم، كذلك أيضا يحتوي القرآن على أحكام؛ آيات كثيرة فيها ذكر الأحكام ذكر الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وذكر الحلال والحرام الذي فرض الله علينا وألزمنا به، هذه الآيات علينا أن نحرص على العمل بها وأن نتعلم ما فيها حتى نعمل على بصيرة.
كذلك يحتوي على وعد ووعيد يحتوي القرآن على ذكر الوعيد لمن عصى الله والوعد لمن أطاعه، وذكر الثواب والعقاب وذكر الجنة والنار وذكر التخويف والتهديد وذكر الثواب لمن أطاع الله والعقاب لمن خرج عن طاعته. كل ذلك من محتويات القرآن واجبنا إذا قرأناه أن نحرص على أن نكون من أهل ذلك الثواب الذي ذكر الله أن القرآن يحتوي عليه كما في الآية التي ذكرنا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا نحرص على أن نكون من المؤمنين حتى نحصل على ذلك الأجر الكبير وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا نحرص على ألا نكون من المعرضين ولا من المكذبين حتى لا نكون من أهل ذلك العذاب.